كل شيء في العالم مبني على صيرورة تدفع للتطور، هكذا هي الحياة كما في سرديات داروين العلمية وجدل هيجل في المنطق، كما هي كذلك أيضًا في أشعار كبار الصوفية، وربما ذلك ما تألفه الثقافة البسيطة العادية بين الناس على كراسي المقاهي، أن الحياة في تطور مستمر، وهذا ملحوظ جدًا من خلال نظرة بسيطة لشاشة تلفزيون تنقل أحداث مباراة كرة قدم، لقد اختلفت أرتام وإيقاعات اللعبة كثيرًا، حتى عدد الأهداف والمباريات شهدت تزايدًا لم يكن معروفًا في الماضي، هذا التطور لم ينعكس فقط على لعبة كرة القدم داخل المستطيل الأخضر، بل انعكس خارجه على جيل من المحللين الكرويين الجدد، نوعية من العقليات تعتمد على لغة الأرقام والتحليل المنطقي، تجيد التعامل مع التكنولوجيا وتستوعب أبعاد العولمة، كما أنها تعمل من زمن التمرد على جلسة المكاتب، زمن العمل عن بعد، في ظل تلك التغييرات، نفتح حوارًا مع أحد هؤلاء المحللين الكرويين -محمد أشرف- ربما أهم ما يميز محمد أشرف أنه كاتب يهضم أفكارًا معقدة مثل أن لعبة كرة القدم جزء من عالم متأثر بالرأسمالية والعولمة، وأن كل ما هو داخل ملعب المباراة يؤثر ويتأثر بالخارج، في عملية تبادل تأثر مع الواقع الاجتماعي وأبعاد السياسة والاقتصاد، مضافًا إلى ذلك أن كتابات محمد أشرف ذات طابع أدبي في ظل أنها تتناول شأن كروي، مما يخلق نوعًا من إبداع كتابي جديد، يستحق أن نلتفت له، ونفهم آلياته عن قرب وبشكل أعمق.
محاورة: محمد سميح
مراجعة لغوية: شذا لاشين
قبل بدء قراءة الأسئلة والإجابات، وجب التنويه أن الأسئلة مكتوبة باللغة العربية، والإجابات مقدمة باللهجة العامية، وذلك كنوع من الحفاظ على معاني الكلمات دون تحريف.
نص الحوار:
1- هل تعتقد أن كتابة تحليل تكتيكات كرة القدم كتابة تهتم بالقالب اللغوي وأسلوب العرض، أم أن اللغة مجرد أداة للشرح المعقد للتكتيكات؟ بمعنى آخر، هل يجب أن يمتلك الكاتب قدرات كتابية جيدة، أم أفكار كروية عميقة؟
بالتأكيد الأفكار هي الأساس في الكتابة، التحليل تبسيط لأحداث المباراة ومستحيل تقدر تشرح معلومة من غير ما تعرفها. علمك وحده يخليك محلل شاطر، بس عشان تبقى كاتب ومحلل شاطر محتاج الاتنين.
2- كثيرًا ما يغلب على مقالاتك الجانب الأدبي، في الوصف وصناعة صور بصرية، وبعض الألعاب السردية، يندرج أسلوبك تحت مسمى المقال الأدبي، كيف تقوم بذلك الدمج؟
على المستوى الشخصي، عندي هدف إني أكون في يوم من الأيام زي إدواردو جاليانو، مش قصدي أسلوب كتابي أكتر إني أكون تجسيد لجملته: “الكاتب مثل لاعب كرة قدم يمرّر طوال القصّة الكلمات كالكرة لكي ينهي عمله بهدف جميل”. والغاية دي ليها وسيلة واحدة وهي الممارسة.
3- داخل مقالاتك استخدامات المفكرين كهيجل وألبير كامو، هل تعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين منتجي الأفكار وعالم كرة القدم، أم أن ما تقرأ خارج كرة القدم يزين ما تكتب عن عالم كرة القدم؟
معتقدش أنى ممكن أجزم بعلاقة أي مفكر بكرة القدم غير في حديثه عنها، الفكرة إني بحاول أخلي القارئ يحس بمتعة المشاهد للمباراة، والمشاهد يستمتع بقراءة مقال عن الماتش بنفس متعة مشاهدته.
4- هل يمكن أن يكون كاتب تحليل تكتيكات كرة القدم محايد، أم منحاز لفرق ولاعبين مفضلين؟
الحياد كدبة بتتسوق في الإعلام لمحاولة إجبار المشاهد على الثقة في المحلل، لكن في نفس الوقت الإنحياز فعل غير مهني وهيجبرك تكدب في يوم وتلف حولين الحقيقة عشان تنصف انتماءك. المهم هو الإنصاف.
5- هل تعتقد أن جماهير الكرة تؤثر على الكُتّاب في مجال كرة القدم، بمعنى أني سوف أمدح برشلونة وميسي لأن هناك الكثير من الجماهير ستحب ذلك أم لا؟
طبعا، الشق الأعظم على السوشيال ميديا بيعمل كده، ومتقدرش تلومه لو المتابع بيفضل كاتب على التاني بحسب الانتماء. بس على المدى البعيد مبتكونش جمهور حقيقي مرتبط بكتابتك، وهتفضل ديمًا خايف تقول رأيك تجنباً لتعارض الأراء معاهم، هتكتب إللي عاوزينه مش رأيك.
6- كيف يمكن أن نعتقد أن هذا الكاتب في مجال كرة القدم ناجحًا؟
مفيش مقياس للنجاح، وعلى المستوى الشخصي لسه موصلتش للمرحلة إني أحكم أو أحدد ميزان للنجاح أو الفشل.
7- إذا كان هناك كُتّاب صغار يحاولون خوض تجارب كتابة في مجال كرة القدم، ماذا يفعلون؟ وجه لهم بعض النصائح من خلال تجربتك.
أعتقد الكتابة ممارسة أكثر من كونها موهبة، مفيش كاتب بيمسك قلم من أول مرة ويكتب الإلياذة، المهم المحاولة مرة واتنين، وثق مهما كان رأيك هتلاقي ناس بتفكر زيك، والمهم تقرأ، مش بغرض التعلم لكن بغرض حب القراءة وهتلاحظ مع مرور الوقت تطور أسلوبك ومهارتك.
8- كيف تعمل على تطوير الأفكار التكتيكية وأنماط الكتابة؟
بحب أقرأ وبلاحظ مع الوقت أني بستخدم أفكار قراءتها بشكل غير مقصود في مقالاتي، وهنا مش بتكلم عن كتب بتشرح كيفية الكتابة، لأني مش محتاج ده بشكل يومي، لكن من أبسط مقال ممكن تقرأه لأقصى الكتب تعقيداً كلها مفيدة، وبتكتسب منها طرق للكتابة مغلفة بالطابع الشخصي والأسلوب الشخصي.
9- هل يتم مراجعة لغوية دقيقة لمقالات كرة القدم، أم أن هناك تساهل لغوي؟ وإن كان هناك تساهل وسماح بأخطاء اللغة، هل يعد هذا نقصًا طبيعيًا، أم يجعل من يقدم تحليلات كروية بمثابة محلل أكثر من كونه كاتبًا؟
الخطأ مرفوض لكنه موجود متقدرش تمنعه، كل شئ في العالم يحمل نسبة خطأ بداية من عيوب جسم الإنسان نهاية لأحدث الإختراعات العلمية، المهم تصحيح الخطأ بعدها، الكاتب هيفضل كاتب مهما كان مجال كتابته، الكاتب الرياضي من منظوري لا يختلف عن الأديب في شئ غير إن الأخير بيتكلم عن مواضيع أشمل ممكن يدخل فيها كرة القدم والأول بيتكلم عن كرة القدم مستخدم رؤيته للأشمل.
10- كتبت في مرة عن تجربة ألبير كامو مع كرة القدم، حدثنا سريعًا عن تلك التجربة، وهل لديك مزيد من القصص عن منتجي أفكار آخرين بخلاف ألبير؟
كامو شرف مقالاتي في أكتر من مناسبة، الأولى في تحقيق موضوعه بيدور حول سرقة كرة القدم، حبيت في البداية أمهد بإن الكورة مرتبطة بحياتنا، أكثر من مجرد لعبة، لكنها مرتبطة حتى بالأدباء ممن ينظر لهم على إنهم أشخاص في منزلة أرقى من تلك الرياضة، على المستوى الشخصي أنا في صف كامو حول رؤيته للكتابة على إنها فأس يكسر الجليد، وده بحاول أعمله. طبعا لا يوجد مثال أفضل من إدواردو جاليانو عن ارتباط الأدباء بكرة القدم. لكن مؤخرا لا يوجد قصة أفضل من تلك التي جمعت بين بوب فرانسيس وبوب بينيدكت في المشهد الختامي لفيلم لThe Two Popes، علاقة الأول بتشجيع منتخب الأرجنتين وحديثه عن الكورة في الفيلم عظيم. وختامًا أنصح بمشاهدته.